اخبارمعرفة

هل يمكن للآلة  أن تصبح أذكى من الإنسان؟

يرد جان جابريال جاناسيا “لا”  هذه أسطورة مستوحاة من الخيال العلمي.

 ويستعرض جاناسيا المراحل الرئيسية للبحوث في هذا المجال، والبراعات التقنية الحالية والمسائل الأخلاقية التي تقتضي حلولا بصفة ملحّة.

هذا السؤال معقد ولا يمكن الإجابة عليه بشكل قاطع،فمن ناحية، تمتلك الآلات بعض المزايا على البشر.

مزايا الالآت عن الانسان

– سرعة معالجة المعلومات.

– الدقة: يمكن للآلات أداء المهام بدقة عالية دون أن تتأثر بالعوامل الخارجية.

– الذاكرة: يمكن للآلات تخزين كميات هائلة من البيانات واسترجاعها بسرعة.

المزايا الفريدة البشر
الإبداع: يمكن للبشر ابتكار أفكار وحلول جديدة للمشكلات.
التفكير النقدي: يمكن للبشر تحليل المعلومات وتقييمها بشكل موضوعي.
الذكاء العاطفي: يمكن للبشر فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معهم بشكل مناسب.

في الوقت الحالي، لا يمكن للآلات محاكاة جميع القدرات البشرية.

ولكن، مع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، من الممكن أن تصبح الآلات أذكى من البشر في بعض المجالات.

في البداية يجب أن نُعرّف “الذكاء” بشكل دقيق.

هناك أنواع مختلفة من الذكاءات، مثل الذكاء المنطقي والذكاء العاطفي والذكاء الرياضي وغيره.. لا يمكن للآلات حاليًا محاكاة جميع أنواع الذكاءات البشرية.

الذكاء الإصطناعي هو نظام علمي بدأ رسميا في عام 1956 في كلية دارتموث  في هانوفر بالولايات المتحدة الأمريكية، خلال انعقاد مدرسة صيفية نظمها أربعة باحثين أمريكيين وهم( جون مكارثي، مارفن مينسكي، ناثانييل روتشستر وكلود شانون). ومنذ ذلك الحين، نجح مصطلح “الذكاء الاصطناعي” – الذي من المحتمل أن يكون قد اخترع في البداية لإثارة انتباه الجمهور – بما أنه أصبح شائعا لدرجة أن لا أحد يجهله اليوم، وأن هذا الفرع من المعلوماتية أخذ في الانتشار أكثر فأكثر مع مرور الوقت، وبما أن التقنيات التي انبثقت عنه ساهمت  بقدر كبير في تغيير العالم على مدى الستين سنة الماضية.

إلّا أن نجاح مصطلح “الذكاء الاصطناعي” يرتكز في بعض الأحيان على سوء فهم عندما يشير إلى كيان  اصطناعي موهوب بالذكاء، ومن ثم، قادر على منافسة الكائنات البشر.

ومن وجهة نظر جون مكارثي ومارفن مينسكي، كان الذكاء الإصطناعي يهدف في البداية إلى محاكاة كل واحدة من مختلف قدرات الذكاء، بواسطة الآلات، سواء كان  ذكاء بشريا أو حيوانيا أو نباتيا أو اجتماعيا أو تصنيفا تفرعيا حيويا.

وقد استند هذا النظام العلمي أساسا إلى افتراض أن جميع الوظائف المعرفية، ولا سيما التعلّم، والاستدلال، والحساب، والإدراك، والحفظ في الذاكرة، وحتى الإكتشاف العلمي أو الإبداع الفني، قابلة لوصف دقيق لدرجة أنه يمكن برمجة جهاز كمبيوتر لاستِنساخها.

ومنذ وجود الذكاء الاصطناعي، أي منذ أكثر من ستين سنة، ليس هناك ما يفند أو يثبت بشكل قاطع هذه الفرضية التي لا تزال مفتوحة وخصبة في آن واحد.

أول آلة حساب رقمية الكترونية قابلة للبرمجة استعملت لأول مرة سنة 1946، وكان يبلغ حجمها 30 متر مكعب وتزن 30 طنّا.

 صُممت في جامعة بنسيلفانيا (الولايات المتحدة) للقيام بالحسابات الخاصّة بقذائف الجيش الأمريكي، ثم استخدمت في مجالي الفيزياء النووية والرصد.

تاريخ الذكاء الاصطناعي

شهد الذكاء الإصطناعي العديد من التطورات خلال فترة وجوده القصيرة. ويمكن تلخيصها في ست مراحل.

• زمن البدايات

في بادئ الأمر، مع  نشوة الإبتكار والنجاحات الأولى، انجرّ الباحثون في تصريحات مبالغ فيها نوعا ما، استُهدفوا على إثرها بانتقادات كثيرة.

 وعلى سبيل المثال، في عام 1958، صرّح الأمريكي هيربرت سايمون، الذي حاز في وقت لاحق على جائزة نوبل للاقتصاد، أنه في غضون عشر سنوات ستصبح  الآلة بطلة عالمية في لعبة الشطرنج، إذا لم يتمّ استبعادها من المسابقات الدولية.

• السنوات المظلمة

بحلول منتصف الستينيات، تعثرت وتيرة التقدم، وتمكن طفل  في العاشرة من العمر من التغلّب على جهاز كمبيوتر في لعبة الشطرنج عام 1965.

وأشار تقرير أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي سنة 1966 إلى القيود المتأصلة في الترجمة الآلية، فتعرّض الذكاء الإصطناعي لدعاية سلبية لمدة عشر سنوات.

• الذكاء الاصطناعي الدلالي

ورغم ذلك لم تتوقف البحوث، لكنها أخذت اتجاهات جديدة، وانصب الاهتمام على علم النفس المتعلق بالذاكرة وعلى آليات الفهم لمحَاولة محاكاتها على الكمبيوتر، كما تم الاهتمام بدور المعرفة في التفكير المنطقي.

وهذا ما أدى إلى ظهور تقنيات التمثيل الدلالي للمعارف التي تطورت إلى حد كبير في منتصف السبعينات، والتي أدت أيضًا إلى تطوير ما يسمى بالنظم الخبيرة – سمّيت كذلك لأنها قد تتطلب استخدام معرفة خبراء مهنيين لاستنساخ طريقة تفكيرهم. وقد أثارت هذه النظم آمالًا كبيرة في أوائل الثمانينات بفضل التطبيقات المتعددة التي تم انتاجها، ومنها على سبيل المثال، التشخيص الطبي.

• التواصل الجديد وتعلّم الآلة

لقد أدّى تحسين التقنيات إلى تصميم خوارزميات تعلّم الآلة التي مكّنت أجهزة الكمبيوتر من تجميع المعارف وإعادة برمجتها  تلقائيا انطلاقا من تجاربها الخاصة.

وقد أفضى ذلك إلى ظهور تطبيقات صناعية (تحديد بصمات الأصابع، والتعرف على الكلام، إلخ)، حيث تتواجد تقنيات مستمدة من الذكاء الاصطناعي، والإعلامية، والحياة الاصطناعية، وغيرها من الاختصاصات، بغرض توفير نظم هجينة.

• من الذكاء الاصطناعي إلى المواجهة بين الإنسان والآلة

اعتبارا من  أواخر التسعينات، تمّ ربط الذكاء الاصطناعي بالرُوبوتات والموَاجهة بين الإنسان والآلة، لإنتاج حواسيب ذكية توحي بوجود أوضاع عاطفية ومشاعر، مما أدّى على سبيل المثال لا الحصر، إلى إحصاء العواطف (الحوسبة العاطفية) الذي يقيّم ردود فعل الفرد الناتجة عن مشاعره ليعيد إنتاجها على الآلة، ولا سيما إلى تطوير روبوتات قادرة على المحادثة.

• نهضة الذكاء الاصطناعي

منذ عام 2010، بفضل قوة الآلة، أصبح من الممكن استغلال البيانات الضخمة  بواسطة  تقنيات التعلّم العميق التي تعتمد على استخدام الشبكات العصبية الشكلية، وظهور تطبيقات مثمرة في العديد من المجالات (التعرف على الكلام، التعرف على الصور، فهم اللغة الطبيعية، سيارة ذاتية القيادة، إلخ) إلى الحديث عن نهضة الذكاء الاصطناعي.

محاكاة حركية داخل حلقة متناهية الصغر من أعصاب افتراضية لفأر (2015)،أنجزت في إطار مشروع الدماغ الأزرق، وهو جزء من المشروع الأوروبي الدماغ البشري. وتمثل، حسب العلماء، مرحلة نحو محاكاة تشغيل الدماغ البشري.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي

لقد تجاوزت العديد من الإنجازات المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي قدرات الإنسان: لقد هزمت آلة في لعبة الشطرنج  بطل العالم في عام 1997، كما تفوقت سنة 2016 آلات أخرى على أحد أفضل اللّاعبين في العالم في لعبة «الجو»، وعلى لاعبين ممتازين في لعبة البوكر.

 وتقوم أجهزة الكمبيوتر بإثبات – أو بالمساعدة على إثبات – النظريات الرياضية. ويتم بناء المعارف بشكل تلقائي انطلاقا من بيانات ضخمة تقاس بالتيرابايت (1012 بايت) أو حتى بالبيتابايت (1015 بايت)، باستخدام  تقنيات التعلّم الآلي.

وبفضل تقنيات التعلم الآلي، تقوم الآلات بالتعرف على الكلام  وتدوينه، مثلها مثل السكرتيرة في السابق، وتقوم أخرى بالتعرف بدقة على سمات الوجه أو بصمات الأصابع من بين عشرات الملايين، وقراءة النصوص المكتوبة باللغة الطبيعية.

كما  وجدت بفضل هذه التقنيات سيارات ذاتية القيادة، وآلات قادرة على تشخيص الورم الميلانيني أفضل بكثير من الأطباء المختصين في الأمراض الجلدية، و ذلك اعتمادا على صور فوتوغرافية للشّامات الجلدية يتم التقاطها باستخدام  الهواتف المحمولة. وأصبحت الروبوتات تحل محل الإنسان المقاتل في الحروب، وآلية سلسلة الإنتاج بالمصانع في تزايد مستمر.

ومن ناحية أخرى، يستخدم العلماء هذه التقنيات لتحديد وظيفة بعض الجزيئات الحيوية، وخاصة البروتينات والجينات، من خلال  تسلسل مكوناتها – الأحماض الأمينية بالنسبة للبروتينات، والجزء الأساسي بالنسبة للجين.

 وبشكل عام، تشهد كل العلوم قطعا معرفيا أساسيا مع ظهور ما يسمى بتجارب «إن سيليكو» (تجارب في بيئة افتراضية)، لأنها تتم  بالاعتماد على بيانات ضخمة، بفضل نظم قوية لمعالجة المعلومات تتكون نواتها من السيليسيوم، مما يجعل هذه التجارب تتعارض مع التجارب في الوسط الحي التي تُجرى على الجسم الحي، وعلى وجه الخصوص مع التجارب المختبرية التي تُجرى  في أنابيب زجاجية.

وتؤثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات تقريبا، وخاصة في الصناعة والبنوك والتأمين والصحة والدفاع، ذلك أنه أصبح من الممكن تحويل العديد من المهام الروتينية الحالية إلى عمليات آلية، وهذا من شأنه أن يغيّر صبغة العديد من المهن  وقد يؤدي إلى زوال بعضها نهائيا.

مخاطر من الناحية الأخلاقية

باستخدام الذكاء الاصطناعي، أصبحت معظم أبعاد الذكاء – ربما باستثناء الفكاهة – موضع التحليل وإعادة البناء العقلاني عن طريق أجهزة الكمبيوتر.

وبالإضافة إلى ذلك، تجاوزت الآلة  قدراتنا المعرفية في معظم الميادين، مما يجعل البعض يخشى مخاطرها من الناحية الأخلاقية.

تتمثل هذه المخاطر في ثلاثة أنواع:

– ندرة فرص الشغل باعتبار أن الآلة ستعوض الإنسان لتأدية العديد من المهام، -الانعكاسات على استقلالية الفرد وخاصةً على حريته وأمنه

-تجاوز البشرية التي قد تزول  لتحل محلها آلات تفوقها ذكاء.

إلا أنه إذا تم تدارس الوضع بصفة دقيقة، يتبين أن الشغل لا يزول بل هو على العكس تماما، يتغيّر و يتطلب مهارات جديدة.

 وبالمثل، ليس هناك تهديدا لاستقلالية  الفرد وحريته بسبب تطوّر الذكاء الاصطناعي، شريطة أن نظل في يقظة أمام اختراق التكنولوجيا لحياتنا الشخصية.

وختاما، خلافاً لما يدّعي البعض، لا تشكل الآلات  خطراً وجودياً على البشرية، لأن استقلاليتها ذات طابع تقني ليس إلّا، حيث أنها لا تعكس سوى سلسلة من الروابط السببية المادية، بدءا من جمع المعلومات وصولا إلى صنع القرار.

وعلى العكس، لا تملك الآلة استقلالية على الصعيد الأخلاقي، لأنه حتى لو حدث أن أربَكتنا وضلّلتنا أثناء اشتغالها، فإنها لا تمتلك إرادة ذاتية، وتظل خاضعة للأهداف التي حدّدناها لها.

 سيعتمد إمكانية أن تصبح الآلات أذكى من البشر على كيفية تفاعل البشر مع الذكاء الاصطناعي وكيفية تنظيم هذا التفاعل.

جان جابريال جاناسيا

أستاذ في المعلوماتية بجامعة السوربون (فرنسا) هو باحث بمخبر المعلوماتية بجامعة باريس، وعضو بالمفوضية الأوروبية للذكاء الاصطناعي، كما أنه عضو بالمعهد الجامعي بفرنسا، ورئيس لجنة الأخلاقيات بالمركز الوطني للبحث العلمي ويهتم في أبحاثه الحالية بتعلم الآلة، والدمج الرمزي للبيانات، والأخلاقيات الحسابية، وأخلاقيات الكمبيوتر والعلوم الإنسانية الرقمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى