اخبارتقارير

لعنة “العقد الثامن” تثير سعار إسرائيل من أجل البقاء

كتبت: نسرين طارق

من المعروف أن فكرة النبوءات- مهما كان أصلها ومصدرها، موضوع جاذب للشعوب، وبغض النظر عن طبيعة النبوءة سواء كانت قائمة على نصوص مقدسة دينية، أم على شخصيات كنوستراداموس، أم على تحليل للتاريخ وقوانينه وطريقة سيره، فإن الجامع بينها هو تمسك الشعوب بها ورغبة بعضهم في تحقيقها، وخوف البعض من حتميتها إلى درجة الشلل والعجز، والذي يؤدي في النهاية إلى تخطيط خاطئ وتصرفات بدائية.

تعيش اسرائيل هوس البقاء والخوف من مدى إمكانية استمرار وجودها في المستقبل بسبب نبوءة لعنة العقد الثامن.

ترجع فكرة “لعنة العقد الثامن” إلى رواية يكاد يتفق عليها المؤرخون الذين يتناولون تاريخ الوجود اليهودي في فلسطين، وهي أن اليهود عمومًا أقاموا لأنفسهم في فلسطين على مدار التاريخ القديم كيانين سياسيين مستقلين، وكلا الكيانين تهاوى وسقوط في العقد الثامن.

الكيان االيهودي الأول:

مملكة داود التي ترجع إلى عام 1000 ق.م، والتي استمرت أقل من ثمانين سنةً تحت حكم داود وسليمان، ومع وفاة الملك سليمان في بداية العقد الثامن من حياة هذه المملكة بدأت بوادر الانقسام تغلب عليها، ما أدى إلى انقسامها إلى مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها نابلس، ومملكة يهودا في الجنوب وعاصمتها القدس، وما لبثت كلتا المملكتين الضعيفتين أن سقطتا لاحقًا على يد الآشوريين ثم البابليين.

الكيان اليهودي الثاني:

عرف الكيان الثاني باسم “مملكة الحشمونائيم” حوالي عام 140 ق.م خلال فترة الحكم اليوناني لفلسطين، نتيجةً لثورة يهودا المكابي، ولكن هذه المملكة مثل سابقتها دخلت في طور الفوضى التي أدت إلى سقوطها.. في العقد الثامن من عمرها أيضا.

ولم يقم لليهود أي كيان مستقل سياسيًا في فلسطين على مدار التاريخ غير هذين الكيانين، حتى قيام دولة إسرائيل الحالية عام 1948، والتي احتفلت هذا العام بمرور 75 عامًا على قيامها؛ أي أنها وصلت الى منتصف العقد الثامن.

 وهو ما يثير مخاوف الساسة في إسرائيل من أن تكون هناك علاقة وثيقة بين العقد الثامن وسقوط أي كيان سياسي يهودي على مر التاريخ.

لعنة حقيقية ام استراتيجية سياسية خبيثة

ويذكر العديد من الساسة الإسرائيلين «لعنة العقد الثامن»،  في تصريحاتهم السياسية كإستراتيجية خبيثة لإثارة الرعب بين اليهود في إسرائيل، لمنع المعارضة المحلية، ودفع المستوطنين للالتفاف حول دولتهم، مؤكدين على أن توحد الشعب الإسرائيلي والابتعاد عن الفرقة، هو فقط ما يضمن استمرار دولتهم وكسر اللعنة.

 كما أن انمثل هذه النبوءات في الغرب يضمن بقاء واستمرار الدعم المالي، والعسكري، والدبلوماسي لإسرائيل.

لعنة العقد الثامن لا تخص اليهود فقط

“بوحدتنا فقط سننتصر”عنوان مقال كتبه رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود باراك في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية يوم 4 مايو 2022، والذي أعرب فيه عن قلقه من قرب زوال إسرائيل قبل إكمال عقدها الثامن، وعلل ذلك بأن التاريخ اليهودي لم يشهد على تعمير دولة يهودية أكثر من 80 عامًا إلا في فترتين فقط؛ فترة دولة الملك داود، وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككهما في العقد الثامن.

وأشار باراك الى أن لعنة العقد الثامن لا تخص الدولة اليهود فقط، وإنما أصابت أمريكا في عقدها الثامن بنشوب الحرب الأهلية، كما تحولت إيطاليا إلى دولة فاشية في عقدها الثامن، وكذلك ألمانيا تحولت إلى دولة نازية أيضًا في العقد الثامن؛ مما تسبب في هزيمتها في الحرب العالمية وتقسيمها.

كما عرفت اللعنة العقد شعوب أخرى، مثل الاتحاد السوفييتي الذي سقط في عقده الثامن، والجمهورية الفرنسية الثالثة التي سقطت تحت الاحتلال الألماني في العقد الثامن أيضًا.

رأى الجنرال المتقاعد شاؤول أر إيلي في مقال له في «صحيفة هآرتس»، إن الحركة الصهيونية فشلت في إقامة دولة إسرائيلية بأغلبية يهودية، وأن الوقت ليس في صالح إسرائيل بحسب ما جاء في موقع رأي اليوم. كذلك، فقد رأى المحلل الإسرائيلي آري شافيط إن الدولة اجتازت نقطة اللاعودة، وتلفظ أنفاسها الأخيرة، وأن الإسرائيليين هم ضحية كذبة الحركة الصهيونية التي أتت بهم إلى أرض فلسطين، وأن الوقت قد حان للرحيل.

حاخامات يرفضون قيام دولة اسرائيل

في الوقت الذي يُصدر حاخامات اليهود في إسرائيل فتاواهم بقتل الفلسطينيين المدنيين والأطفال، هناك حاخامات آخرون يعارضون قيام دولة إسرائيل من الأساس؛ في عام 2014، قال الحاخام يزرائيل ديفيد وايز، الناطق الرسمي باسم الجماعة اليهودية «ناطوري كارتا»، أو حراس المدينة، وهي منظمة يهودية دينية تعادي الصهيونية، وتعارض قيام دولة لليهود؛ إن الدولة الصهيونية غير شرعية بحسب تعاليم اليهودية، وتعد تمردًا على أوامر الله، وأن مجرد وجودها «شر» وعصيان لله.

مشيرًا إلى أن اليهود أقاموا وطن على أرض مسكونة لآخرين، مشيرًا إلى أنهم حتى لو كانوا أقاموا دولتهم في أرض لا يسكنها أحد، فهو أيضًا أمر محرم.

تسخير اللعنة في السياسة

تشهد إسرائيل منذ أكثر من ثلاث سنوات حالة من التفسخ والانقسام المجتمعي وهو بالضبط ما ما يفاقم تخوف الساسة والمفكرين الإسرائيليين من أن تلحق بإسرائيل هذه “اللعنة” مرة أخرى. خاصةً أن شكل السقوط للكيانين اليهوديين في فلسطين في التاريخ القديم كان مرتبطًا بالدرجة الأولى بنفس الاسباب، فإسرائيل ما زالت تمر بانقسام اجتماعي حاد، لكن هذا الانقسام بدأ يتعمق ويأخذ طابع التفسخ مع تطورات قضية “الاصلاح القضائي” الذي تتبناه حكومة نتنياهو اليمينية.

وعلى عكس المتوقع لم تسهم معركة “طوفان الأقصى” في توحيد المجتمع الإسرائيلي بل  زادت في انقسامه.

فقد تحولت المظاهرات في الشوارع من الاحتجاج على خطة الإصلاح القضائي إلى الاحتجاج على فشل الحكومة في إدارة معركة “طوفان الأقصى”، وفشلها في التعامل مع ملف الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة.

إسرائيل دخلت المعركة فجأة وهي تعاني حالة انقسام غير مسبوق، وساهمت المعركة في تعميق هذا الانقسام، وفشلت جهود نتنياهو في توحيد الأطياف السياسية خلف قيادته بحجة الحرب، بل إن دخول بيني غانتس في حكومة الطوارئ التي شكلها نتنياهو لم يساهم في أكثر من جعلِ الخلافات الداخلية الإسرائيلية تبدو أوضح للعالم.

كما زاد تداول موضوع لعنة العقد الثامن في وسائل الإعلام الإسرائيلية ووسائل التواصل الاجتماعي، بمزيد من الخوف والشك في نتائج هذه الحرب التي فاجأت إسرائيل ولأول مرة لا تختار ميدان المعركة ولا حتى من يديرها ويحدد نهايتها، وهو أمر يجعل المواطن الإسرائيلي العادي يشعر بمزيد من الضغط والتخوف من أن تكون فكرة “لعنة العقد الثامن” حقيقة، وأنه حاليًا ينتظر تحقيقها.

بعد حالة الانقسام فى الداخل الإسرائيلي وايمان البعض بلعنة العقد الثامن وأخيرا عملية طوفان الاقصى، أصاب اسرائيل سعار البقاء، وأصبحت تسعى لتحقيق أي نجاح في المعركة الاخيرة ولو على حساب المدنين والاطفال والمرضى ووصل الأمر الى التخلي عن الأسرى الإسرائيلين في سبيل تحقيق اي نصر يذكر على الأرض، وكسر اللعنة والبقاء بعد العقد الثامن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى