اخبارمقالات

خالد بن محمد منزلاوي يكتب : آليات غير القمة العربية المرتقبة لمواجهة كل التحديات

في ظل تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية وغذائية عدة، تتطلب تكاملاً عربياً مشتركاً، يأتي انعقاد القمة العربية الـ 32 التي تستضيفها السعودية في جدة لتشكل خطوة حاسمة لإقامة جبهة صلدة تتصدى للتحديات الإقليمية وتتعامل مع تحولات العالم بخطط طموحة وسياسات عقلانية.

وتحمل هذه القمة في طياتها رسائل عدة لشعوب المنطقة، الأولى منها أن الأمة العربية ذات التاريخ العريق تمتلك المقومات اللازمة لبناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً، والثانية هي لزوم أن تضع الدول العربية دوماً نصب أعينها تعزيز تماسك الكيان العربي وصونه وحمايته، والرسالة الثالثة هي أن أمن المنطقة واستقرارها السياسي والاقتصادي وازدهارها ضرورة ليس فقط لأمن الدول العربية بل للمنطقة والعالم أجمع.

أما الرابعة فتتمثل في أن رخاء المواطن وأمنه من أهم أولويات القادة العرب الآن وأكثر من أي وقت مضى.

ولهذا فإن قادة الدول العربية حريصون على التوصل إلى صيغ عملية تعزز وتحمي دول الجامعة من أية تهديدات خارجية عبر منظومة متماسكة وتعاون بناء لتحقيق الأهداف المشتركة الحالية والمستقبلية، مع الإيمان الراسخ بأن الدبلوماسية لا تزال الوسيلة الوحيدة والأفضل لحل الأزمات، مما يدعم عملية اللجوء إلى الحوار والمفاوضات كأداة لا غنى عنها لحل الخلافات والنزاعات.

ولا مناص من القول الآن إن كثيرين ينظرون إلى هذه القمة على أنها محطة مهمة لتعزيز الحوار العربي المشترك، وترسيخ الروابط التي تجمع بين الدول العربية، متوقعين أن تكون لها انعكاسات بعيدة المدى، ليس على المنطقة العربية وحسب، بل على منطقة الشرق الأوسط والعالم.

كما أن أنظار وآمال شعوب جامعة الدولة العربية تتطلع إلى نتائج القمة وانعكاساتها المقبلة على حياتهم، لا سيما أن هذه الدول حريصة على تعزيز الدور التاريخي للجامعة، كما أنها واثقة في قدرة السعودية على قيادة العمل العربي المشترك بما يحفظ مصالح المنطقة وأمنها وتقدمها وازدهارها كأحد المبادئ المتوافق عليها دبلوماسياً.

وعلى هذا الأساس فإن جميع الدول مهتمة بوضع قدراتها وإمكاناتها وخبراتها لتعزيز التضامن العربي كي تكون في مستوى التحديات الحالية والمستقبلية، ولتتمكن من تحقيق أهداف تواكب تطلعات الرأي العام العربي وطموحاته في أن يتحول التضامن العربي، كمفهوم راسخ في الوجدان، إلى برامج عمل وخطط يلمسها العرب وتنعكس على حياتهم ومستقبلهم.

القمة العربية التي لم تستجب للتحديات
ومن نافل القول هنا أن جامعة الدول العربية تنطلق في إطار العمل الدولي من ثوابت تهدف إلى التعاون والحوار ودعم الدول لتحقيق الاستقرار والتنمية، وهو أمر سيحظى بالإشادة والتقدير من المجتمع الدولي الذي يهتم بدعم الاستقرار ويهدف إلى التنمية، لا سيما أن من أهم أهداف الجامعة تعاون جميع الدول الأعضاء مع الدول المعنية من أجل الحفاظ على الاستقرار والسلام ودعم التنمية في إطار مفهوم التعددية والاحترام المتبادل.

وفي هذا السياق فإن النظام الدولي بواقعه الحالي يقوم على شبكة واسعة من المؤسسات الدولية التي تشجع الدول على التعاون والتفاعل والتبادل، مع الأخذ في الاعتبار واقع حدوث تطورات على الساحة السياسة الدولية نتج عنها تنافس دولي بين القوى العالمية أدى إلى انبثاق مفهوم جديد للاستقطاب المقترن بتحالفات جديدة على مختلف المناطق، في خضم حسابات سياسية بالغة التعقيد.

ومع العالم المتغير والسريع الذي أفرزه الواقع الحالي للنظام الدولي فإن دول الجامعة العربية تدرك أنها تحتاج إلى مرونة عالية كي يكون عملها متكيفاً مع المتغيرات في الإطار الدولي المتعدد الأطراف ولتعزيز الثقة في دورها.

ومما لا شك فيه أن بعض التوترات والنزاعات في المنطقة وصلت إلى مستوى معقد يتطلب إيجاد حلول جماعية للتحديات المشتركة.

إن الانتماء إلى الجامعة يحتم على الدول الأعضاء قبول الالتزامات المطلوبة، ومن هنا تبدو أهمية وضع آلية جديدة واقعية وعملية للتعامل مع الأزمات التي تحيق بالدول العربية عبر سياسات إقليمية تستهدف تنسيق إجراءات الدول والمواءمة بين مصالحها، والدفع قدماً بمسيرة العمل العربي المشترك وتعزيزها لتجاوز الظروف التي تمر بها المنطقة من أجل ضمان أن تنعم بالأمن والاستقرار.

وأحد الأسباب الرئيسة للتحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط هو سوء إدارة وهيكلية نظام السلم والأمن الدوليين في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية لكل دول العالم، بخاصة أن المصالح الدولية المتباينة والمتجاذبة ألقت بتداعياتها على المنطقة مما جعل قضاياها تتطلب حلولاً عاجلة لانعكاساتها على الأمن والاستقرار الإقليمي.

ومن هذا المنطلق فإن العمل متعدد الأطراف وفق مفهوم جديد لتعزيز الصمود في قضية فلسطين، وإيجاد حلول لاستقرار اليمن وليبيا وسوريا وحل النزاع في السودان في هذه المنطقة الساخنة أحياناً أصبح ضرورة ملحة في خضم المتغيرات الجديدة التي يشهدها النظام الدولي من أجل أن يصبح النظام العربي فيه جزءاً من نظام عام متعدد الأطراف يتفاعل مع المتغيرات الدولية ويساعد في استقرار قواعده.

وفي هذا المقام يأتي انعقاد القمة العربية في جدة تأكيداً وتعزيزاً للدور الفعال للسعودية بالتعاون مع أشقائها العرب في سبيل الدفاع عن حاضرهم ومستقبل الأجيال المقبلة، كنموذج داعم للعمل الدولي المتعدد في الأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية والإقليمية من خلال توظيف قدراتها ودبلوماسيتها لما فيه مصلحة المنطقة والعالم، من خلال تقدم التسويات وحل النزاعات ليكون للعالم العربي دور فاعل في محيطه.

* الكاتب، أمين عام مساعد للشؤون السياسية الدولية بجامعة الدول العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى