اخبارسياسةمصر

تقرير لمركز الأهرام: “2023” شهد أحداثا دفعت إلى الاعتقاد بأن العالم يقف على حافة هاوية

القاهرة في 10 مارس /أ ش أ/ ذكر التقرير الاستراتيجي العربي 2023، أن عام 2023 شهد أحداثا ووقائع بالغة الأهمية؛ دفعت الكثير من المفكرين والباحثين إلى الاعتقاد بأن العالم يقف على حافة هاوية، قد تأخذه إلى مسارات سلبية كثيرة، ليس بالضرورة نحو سيناريو الحرب العالمية، لكنها ربما تنعكس بنتائج تماثل تلك التي تحدثها هذه الحرب.
وأضاف التقرير، الذي صدر حديثا عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الأحداث والوقائع ذاتها ربما تدفع العالم إلى حقبة من التعاون النوعي، تتجاوز مفاهيم الحدود والحكومات والسيادة الوطنية، وتدفع الدول للتفاعل المشترك بإيجابية، لم يعهدها العالم من قبل، هذا النمط الثاني من التفكير المتفائل، مدفوع بخلاصات التجربة أيضا، عندما اندفعت عقول مفكرين وباحثين إلى حالة تشاؤم مع تصورهم لعالم تسوده الحروب والمجاعات بفعل الزيادة السكانية، فإذا بهم إزاء عالم يزداد إنتاجا ووفرة على نحو يكفي سكان الكوكب جميعهم.
وتابع: “ما بين حافة هاوية تهدد مستقبل العالم، وحقبة جديدة من التعاون تتجاوز ما عهدته السياسات الدولية في السابق، تبرز التحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية الدولية، فضلا عن التطورات التي شهدتها مصر، بعقول وطنية تسلط الضوء على أنماط تفاعل العقل البحثي المصري والعربي مع الأحداث”.
وأشارت إلى أن خلال عام 2023، شهد العالم تفاعلا متباينا بين الولايات المتحدة والصين، فرضته المصالح وتوازنات القوى والتنافس على المسارح السياسية الدولية خصوصا مسرح الإندوباسيفيك، ساعد على بروز هذا التنافس القطبي الثنائي محدودية قدرات روسيا وأوروبا للتنافس على قمة العالم، وهو ما يرجح استمرار هذا النمط من التفاعل الأمريكي الصيني لسنوات مقبلة، عند هذا المستوى الذي يتضمن أقصى درجات التنافس على كل ما هو دون مستوى الحرب.
وعلى الصعيد الدولي أيضا شهد العالم نمو أدوار الفاعلين من غير الدول، وهي الظاهرة التي بدأت تشغل مساحة اهتمام من سياسات واستراتيجيات الدول الرسمية، وشهدت القارة الأوروبية صعودا للقوى الشعبوية التي زادت مساحات التنافس بين دولها على قيادة القارة، وبينما أكد تحليل الوثائق الوطنية للدول تقارب أنماط التفكير الاستراتيجي بينها في مواجهة التهديدات والمخاطر رغم اختلافها حول مصادر التهديد، فقد شهد العالم ساحات تنافس جديدة وغير تقليدية، في مجالات كان أبرزها الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية وسياسات المناخ.
على الصعيد الإقليمي، دخل العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط- منذ 7 أكتوبر 2023- في شواغل الحرب الإسرائيلية على غزة، التي أعادت موضعة القضية الفلسطينية في مركز تفاعلات الإقليم، وإذا لم تكن تأثيرات هذه الحرب قد انعكست كثيرا على هيكل النظام الدولي، فإنها أوجدت مساحات تباعد جديدة بين العالم العربي والغرب، بعد وقوف دول غربية على رأسها الولايات المتحدة ضد مشروعات قرارات لوقف إطلاق النار بمجلس الأمن الدولي، وتسامحها مع قتل إسرائيل لأكثر من 30 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال، وكانت للحرب انعكاسات ومردودات إقليمية كثيرة، تمكن من القول إن النظام العربي والإقليمي بعدها يختلف عن قبلها، والأهم هو التحولات على صعيد الأفكار؛ حيث سادت أفكار ومفاهيم قبل الحرب، أتت الحرب على الكثير منها.
ويحلل التقرير، حسابات القرار لدى الجانب الفلسطيني (عندما قرر تنفيذ “طوفان الأقصى”)، والجانب الإسرائيلي (عندما قرر شن الحرب)، ويرصد حصاد المواجهة العسكرية في غزة بين التكنولوجيا الإسرائيلية وتكتيك “المسافة صفر” الفلسطيني، والإدارة الإسرائيلية للحرب على الجانب السيكولوجي، والذي ظهر جليا في التوظيف الإسرائيلي لحالة الهيستيريا الطبيعية والمصطنعة في حسابات القرار وفي التعامل مع الانتقادات الإنسانية الدولية، ويرصد تأثير سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف التي انتهت إلى حالة من التطابق بين الصهيونية واللاإنسانية.
واستمرارا في تحليل المواقف العربية والإقليمية، يتناول التقرير ما أحدثته الحرب في غزة من تطابق الأمن القومي المصري مع حماية القضية الفلسطينية دون التصفية، وحسابات التصعيد المحسوب بين حزب الله وإسرائيل، والذي لم يخرج عن قواعد الاشتباك بين الجانبين منذ سنوات.
كما يحلل التقرير تأثير الحرب على رهانات قوى السلام العربية وقوى التطبيع وقوى الممانعة، وتأثير السلوك الإسرائيلي خلال الحرب في زيادة تقارب الدول العربية مع دول الجوار الإقليمي خاصة تركيا وإيران، ويناقش كذلك أثر الانقسام الدولي في تكريس العجز عن اتخاذ القرار فيما يتعلق بوقف الحرب على غزة في مجلس الأمن، كما يتناول التقرير نتائج وانعكاسات الحرب في الجوانب الاقتصادية والإنسانية والإعلامية.
ويتناول القسم المصري من التقرير النظام السياسي المصري والمجال العام، وحالة الاقتصاد الوطني والسياسة الخارجية والدفاع، يرى في هذا السياق أن محصلة نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية عكست التمسك بالمشروع الوطني، ويؤكد أن الدولة استمرت في إجراءات الحماية الاجتماعية رغم الوضع الاقتصادي الصعب في مصر، وأن استراتيجية مكافحة الفساد التي أصدرتها الدولة المصرية في حاجة إلى تسريع إجراءات التنفيذ.
ويسلط التقرير الضوء على أهمية إنشاء مجلس مستقل خاص بإعداد الموازنة العامة للدولة، ويؤكد أن الدولة اتجهت للتخارج من الشركات العامة بهدف تشجيع الاستثمار الخاص وفي ظل تأثير أزمة الديون، ويؤكد أن تأرجح إيرادات قطاع الخدمات مثل قناة السويس (على أثر الهجمات الحوثية على الملاحة في البحر الأحمر)، وتذبذب تحويلات المصريين في الخارج، وتذبذب إيرادات السياحة، يزيد من قيمة وأهمية الصناعة والزراعة بالنسبة لمصر.
ويستعرض التقرير توجهات السياسة المصرية نحو إفريقيا، بين معادلتي تحقيق التنمية وحماية الاستقرار، وفي سياق الاحتفال باليوبيل الذهبي لحرب أكتوبر 1973، التي صادف عام 2023 مرور خمسين عاما عليها، استعرض التقرير مغالطات السردية الإسرائيلية فيما يتعلق بالحرب، والتي روجت لها وثائق سرية أفرجت عنها إسرائيل خلال العام.
لا يخلص التقرير إلى نتائج حتمية، بقدر ما يفتح الباب لفهم أعمق وأشمل وأكثر انضباطا لطبيعة التحولات الاستراتيجية التي يمر بها العالم والإقليم وتتأثر بها مصر، وهو هنا لا يسعى فقط إلى الارتقاء بفهم الواقع الدولي، وإنما ينبه أيضا إلى الفرص والمخاطر المتاحة والمحتملة في الإقليم، وهو ما يسعى إليه أي بحث أو تفكير استراتيجي متوازن.
ويصدر التقرير الاستراتيجي العربي عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية منذ عام ١٩٨٦، وهو التقرير الأبرز في منطقة الشرق الأوسط، والمشروع البحثي السنوي الرئيسي للمركز.
أ د ه /س.ع
/أ ش أ/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى