اخبارمقالات

هانى مسهور يكتب: السر.. لماذا عانت السودان وليبيا ولبنان واليمن والعراق..وبقيت مصر؟!

منذ الطلقة الأولى التي ضربت السودان، تسابقت وسائل الإعلام الدولية والعربية لتغطية مجريات الأحداث.

وبينما كان الجميع منهمكاً في متابعة المشهد، كانت هناك نظرة أخرى لما يحدث بين الإخوة ليس فقط في السودان، بل في عموم البلدان العربية.

فثمة زاوية إعلامية أخرى يجب أن تكون عليها الصحافة في الوصول إلى عمق المشكلة وأسبابها، ضمن حلقة مميزة بعنوان (قبائل السودان.. هل يشكل التنوع نعمة أم نقمة؟)، وهذه زاوية غير منظورة في الصحافة العربية لاعتبارات متعددة، غير أنها تكشف ما لا يريد أحد الحديث عنه هو تعثر في تكوين الدولة الوطنية العربية.

الجدارة أن تتحمل الصحافة مسؤولية تشريح الحالة، كما هي فلا يمكن للمواطن العربي الذي يعيش متابعة مآسي الحروب من بلد عربي إلى آخر أن يظل مجرد متابعاً دون معرفة مسببات كل هذه الانتكاسات، وهنا يبدو من الجسارة الذهاب إلى جذر التكوين السياسي لبلد مازال يعيش منذ إعلان استقلاله الوطني في 1956 صراعاً ممتداً فلا تكاد حرب تضع أوزارها حتى تندلع أخرى.

السودان عاني مثل دول عربية أخرى، كاليمن وليبيا ولبنان والعراق، التي تحولّ فيها التنوع القبلي والديني لصراعات إثنّية دامية بددت مواردها وحطمت أحلامها.

قد تكون مصر كبلد ذات نظام جمهوري هي النموذج الأنجح عربياً من خلال التجربة المعززة بالاختبار القاسي الذي عاشته البلاد إبان حكم جماعة «الإخوان»، فلقد لاذت مصر بمصدر قوتها في جيشها الوطني الذي استطاع حماية الشعب والدولة.

مصر استثناء في الأنظمة الجمهورية المعنية بمراجعة موضوعية لماهية خصائص تكوينها، فما كان امتيازاً بالتنوع القبلي والديني، لدى بعض الجمهوريات، تحوّل لنقمة لم يعد من الصحيح تجاهلها بمقدار مسؤولية الجيل المعاصر النظر إلى الأمر بما يحمله من وعيّ ومعرفة فلقد خسرت الأوطان جلّ مواردها الاقتصادية في حروب لم ينتصر فيها أحدّ على أحدّ.

عند تناول الحالة السودانية، لابد من تقديم القراءة الواقعية للمشهد السياسي بامتداداته التاريخية، فهذه نظرة لا تستوجب إصدار الأحكام على التجربة بمقدار استيعاب الظروف التي لم تحقق النجاحات المأمولة. فكما أن هناك فرصة للنجاح أيضاً هناك تعثرات.

وهذه هي النقطة التي يجب تداولها صحفياً ومناقشتها ووضع التصورات الواضحة حولها بغير توجيه مسببات التعثر لأشخاص، فلكل تجربة سياسية شخوصها ولا يحق لأحد محاسبتهم غير أهل البلاد أنفسهم، ومع ذلك فإن الجرأة على تناول هذه الزاوية تحتمل قدراً عالياً من المهنية الصحفية. التنوع الاجتماعي يبقى مصدراً تستمد منه الأوطان قوة تماسكها، ومع ذلك لم يكن هذا المصدر قادراً على ذلك.

ومن الأهمية أن تتحلى الصحافة العربية بجرأة بأن تتجرد من مخاوف لم يعد المواطن العربي يخشاها في زمن الانكشاف المعلوماتي، الذي أتاح الأخبار على وسائط متعددة، وظل على المؤسسات الكبرى أن تقدم مضموناً عميقاً في تحليل الأزمات.

وهذه لا تأتي بغير مقومات، أهمها بالإطلاق الموضوعية في مناقشة ملفات مسكوت عنها رغم أنها هي منبع ديمومة الصراعات السياسية.

هذه منهجية تدعو المؤسسات الصحفية أن تتقدم خطوات لتتنافس في تقديم المحتوى الأكثر حيوية. فالصحافة مسؤولية نبيلة مهمتها التنوير وتقديم وفتح مسارات وضاءة في أنفاق يمكن أن يعمل الصحفي فيها حاملاً لمشاعل النور لعرب يرغبون بالوصول إلى نهاية الأنفاق المعتمة.

* الكاتب، محلل سياسي يمنى جنوبي مقيم في الإمارات

-المقال يعبر عن رأي الكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى